فوبيا: وطني حبيبي... أنا وحدي..

تصنيف أولي: 

 عباس الأقرع هو شخص وطني جداً، بل هو شخص مفرط الوطنية لدرجة غير معقولة. فهو يحب وطنه أكثر من أي مواطن سوري بدرجات لا توصف. وعنده استعداد أن يثبت هذا كل يوم آلاف المرات.

عباس الأقرع عندما يسوق سيارته في الشارع يتابع كل ما حوله، وقد حدث أنه وجد في الشارع جواره سرفيساً (باص أبيض صغير يسبب الكثير من التلوث والزحام والفوضى والصداع)، وكان السرفيس قد وضع علم سورية على زجاجه، فقام عباس بالتزمير وتشغيل الضوء ودوبل عليه (انحرف تجاهه متجاهلاً كل قوانين الفيزياء). وطلب منه التوقف، وأوقف سيارته بجواره وصار يصرخ من الشباك: "العلم مائل قليلاً، عليك أن تضعه بشكل موازي للأرض تماماً... أحضر مسطرة واحسب ارتفاعه لتجد أنه يختلف باثنين من السنتيمترات على الأقل... والنجمة ليست خضراء بما فيه الكفاية"

ويرد عليه الشوفير (سائق السرفيس): "لقد كدت أن تسبب حادثاً بسبب أن العلم مائل قليلاً! ألا تستحي من نفسك... بعدين (أما بعد) العلم مضبوط وروح بلط البحر...ليس أنا من تشكك بوطنيته... أنا أبصق على صورة جاك شيراك أكثر منك " (و"جاك شيراك" رئيس فرنسي من زمن مختلف ومشكلة مختلفة)

فيكاد عباس الأقرع أن يخرج من الشباك وهو يرد على الشوفير، ثم يتدخل راكب من ركاب السرفيس، وبعدها يرد عباس الأقرع. ويبدأ عباس الأقرع بتدخين سيجارة وبالحديث عن الفوضى والفساد في الوطن ويرد عليه الشوفير بسيجارة وبحديث عن التداعيات الدولية والأزمة الاقتصادية.

تقطع زمامير السيارات خلفهم حبل أفكارهم وهم يتناقشون، فيشعرون بالانزعاج الشديد: "ألا يرى هؤلاء أن هناك موضوعات وطنية هامة يجب مناقشتها."

يرمي عباس الأقرع سجارته من الشباك ويكمل سواقته، وكذلك يفعل الشوفير... والراكب... كما يرمي أحد الركاب الآخرين محرمة ... مستعملة... وآخر غلاف بسكويتة من ماركة تركية شهيرة...

فإن صدف وكنتم في الشارع يوم الخميس الماضي، وتقفون في زحام سير خانق لا يتحرك في قلب المدينة الكبيرة، فلا تتضايقوا لأن عباس الأقرع يحب أن يوزع قليلاً من الوطنية على من حوله. وإن رأيتم عامل بلدية يجمع القمامة من هذا الشارع ولا يلحق أن ينظف الطرقات، فلا تقلقوا فالسجائر والأوراق والمحارم هي بقايا الحملة الوطنية التي قادها عباس الأقرع.

كم يجب أن يعاني الوطن من وطنية البعض...