الطبيعة...وقوانين المجتمع (غشاء البكارة)

تصنيف أولي: 

 العذرية نموذجاًالعذرية نموذجاً

إذا سلمنا بأن الكائنات الحية هي من نتاج الطبيعة في سياق التطور فلابد أن نسلم بالضرورة بأن جميع ما يكون هذه الكائنات هو نتاجٌ طبيعي أيضاً، وبما أن المجتمعات البشرية تتكون من البشر أي من كائنات حية أنجبتها الطبيعة فهذا يعني أنها هي نفسها منتجٌ طبيعي أيضاً، لذلك ينبغي أن تخضع عملية تنظيمها لقوانين الطبيعة وليس لأي شيءٍ آخر.

من خلال دراسة تحليلية بسيطة لتاريخ المجتمعات البشرية يمكننا أن نلاحظ أنها خضعت في تنظيمها لمجموعاتٍ مختلفة من القوانين لم يكن من بينها أي قانونٍ طبيعي، بل كانت جميعها من وضع الإنسان، وانتظمت تحت مسمياتٍ مختلفة: الدين، والقوانين الوضعية، والأعراف والتقاليد، والأخلاق. لكن الطبيعة عادت شيئاً فشيئاً لتفرض إيقاعها وقوانينها على هذه المجتمعات وذلك بفضل العلم، الذي كلما منحته الطبيعة مزيداً من أسرارها كلما ازداد ولاؤه لها وسعى لفرض إرادتها على أبنائها، ونجد في التاريخ الكثير من الشواهد التي تظهر دور العلم في تنظيم المجتمع من خلال تعديل أو إلغاء الكثير من القوانين المجتمعية التي لم تكن تستند إلا إلى خرافات البشر وأوهامهم، من ذلك قوانين أوروبا العصور الوسطى التي كانت تتهم كل من يخالف قول الكنيسة بأن الأرض هي مركز الكون بالهرطقة وتحكم عليه بالموت، والقوانين التي كانت تتهم المرضى النفسيين ومرضى الصرع والجذام بأنهم مسكونون بقوى شريرة وتحكم بعزلهم وأحياناً بقتلهم، والقوانين التي كانت تحرم الإجهاض... وغيرها.    
لذلك لا بد لنا اليوم، ونحن في مستهل الألفية الثالثة، من الكف عن الهروب من الطبيعة والاختباء وراء قوانيننا البشرية التي تخطها أهواؤنا وميولنا، واستبدال تلك القوانين البالية بقوانين نستمدها من فهمنا المتزايد للطبيعة وموجوداتها والذي يوفره لنا العلم ولا شيء غيره. وتجدر الإشارة هنا إلى أن العلم قد لا يكون بمقدوره حالياً تقديم إجاباتٍ قطعية عن جميع الأسئلة التي تتعلق ببعض القوانين السائدة في المجتمع، لكنه يستطيع دحض المسوغات التي قامت عليها تلك القوانين ما يشكل مبرراً كافياً للتخلص منها، أما الحالات التي لا يتمكن العلم من تقديم تفسير لها أو دحض تفسيراتها القائمة، فقد يكون مقبولاً أن تستمر كما هي أو أن تفرد على بساط النقاش الفكري. ولعل من أهم المشاكل المجتمعية التي يقوم فهمنا لها، وبالتالي تنظيمها، على معطياتٍ غير علمية مشكلة العذرية عند الإناث.
يقوم التنظيم الراهن للكثير من المجتمعات، بما فيها مجتمعاتنا العربية بطبيعة الحال، على اعتبار عذرية الفتاة مقياساً لأخلاقها وتربيتها، وبالتالي أهليتها كزوجة وأم، ويفرض عقوباتٍ قاسيةً بحق الفتاة التي تفقد عذريتها تتدرج من التشهير والنبذ الاجتماعي إلى الحرمان من الزواج لتصل إلى القتل الذي يحميه القانون تحت مسمى جريمة الشرف؛ ولو بحثنا قليلاً عن الركائز التي بنى عليها المجتمع قوانينه تلك لوجدنا أنها خليطٌ من الفهم المغلوط لبعض التعاليم الدينية والأعراف السائدة التي لا يعرف منشؤها وليس المكان مناسباً هنا لمحاولة استكشافه، على أهمية هذه المحاولة.
كيف يقارب العلم هذا الموضوع؟ تعني عذرية الفتاة أنها لاتزال تحتفظ ببكارتها، والبكارة هي غشاء رقيق يسد فوهة المهبل بشكلٍ شبه تام ويترك ثقوباً صغيرة تسمح بمرور دم الطمث في سن البلوغ، يتمزق هذا الغشاء عند الممارسة الجنسية الأولى للفتاة ويسبب ألماً بسيطاً ونزفاً خفيفاً، ثم يضمر مع الزمن.
لماذا أوجدت الطبيعة هذا الغشاء؟ قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى أن التفسير السائد (غير العلمي بالطبع) يقوم على أن هذا الغشاء وجد لكي يكون رقيباً على الحياة الجنسية للمرأة بحيث يشكل غيابه دليلاً على أنها قد مارست الجنس، وبغض النظر عن منشأ هذا التفسير يبدو واضحاً تماماً أنه تفسيرٌ ذكوريٌ أولاً وذو طابعٍ أخلاقي ثانياً (باعتبار الربط الغريب السائد بين الأخلاق والجنس عند المرأة فقط!)، وفي كلا الأمرين لا ذنب للطبيعة لأن الطبيعة لا تفضل الذكور على الإناث، ولا تكترث بالأخلاق، فقانونها هو البقاء للأقوى، سواء كان ذكراً أو أنثى، خلوقاً أو بلا أخلاق.
في الحقيقة، ليس هناك تفسيرٌ علميٌ قاطع لسبب وجود غشاء البكارة، فهو عديم النفع من الناحية الحيوية، مثله كمثل بعض الأعضاء البشرية التي لم تعرف لها وظيفةٌ محددة كالزائدة الدودية وأرحاء العقل وغرلة قضيب الذكر، وغيابه لا يؤثر على أي وظيفة لدى الإنسان؛ مع ذلك، يقدم ديزموند موريس في كتابه "القرد العاري" تفسيراً تطورياً قد يكون مقنعاً، يفترض أن الطبيعة بإيجادها هذا الغشاء تجعل الاتصال الجنسي الأول للأنثى صعباً، وحتى مؤلماً، وهي تؤكد بذلك أن هذا الاتصال لا يجب أن يؤخذ بخفة واستهتار كي لا تجد الأنثى الشابة نفسها حاملاً وعلى وشك أن تصبح أماً دون وجود شريكٍ مناسبٍ يشاركها تلك المسؤولية الضخمة، لذلك هي بحاجةٍ لإنشاء رابطة ثنائية ذات شحنة عاطفية عميقة قادرةٍ على التغلب على الكرب الفيزيائي الذي يسببه تمزق الغشاء قبل أن تخطو تلك الخطوة.
لكن هذه النظرية تعرضت لانتقادٍ قويٍ يستند إلى الحقيقة القائلة إن غشاء البكارة ليس حكراً على البشر، فهو موجود لدى بعض الثدييات كالحصان، الحوت، الخلد، الفأر الإفريقي، الضبع، الشمبانزي، الفيل، اللاما... وغيرها، وإناث هذه الحيوانات لا تحتاج للتروي في اختيار شريكها، على الأقل لأن إنجاب الأطفال لا يعد مسؤولية ضخمة لديها بسبب قصر فترة احتياج الولدان لرعاية أمهم مقارنةً بأطفال البشر.
إذن حتى هذه اللحظة، ما نستطيع أن نقرره بيقين تام هو أن غشاء البكارة عضوٌ زائدٌ عن الحاجة من الناحية العلمية، ولا أهمية لوجوده أو عدم وجوده، لذلك ليس هناك سببٌ طبيعي لتفضيل العذراوات على غير العذراوات؛ وحتى لو أخذنا بنظرية موريس، فإن الاستنتاج الذي يمكن أن نخرج به منها هو أن الطبيعة قد وهبت الأنثى هذه "الميزة التطورية" لتساعدها في اختيار الذكر الأكثر ملاءمة، وليس لتساعد الذكر في اختيار الأنثى الأكثر "عفافاً"، فالأنثى هي المسؤولة أمام الطبيعة عن بقاء النوع وتطوره، وهي صاحبة الحق بالاختيار، وهي التي يحق لها أن تصنف الذكور إلى ما يصلح وما لا يصلح، ولعل هذه الحقيقة واضحةٌ للعيان في جميع أنواع الكائنات الحية، بما فيها البشر (رغم محاولات الذكور المستمرة لتغيير هذا الواقع).
لذلك، لا يملك المجتمع البشري الحق في تصنيف الإناث بحسب بكارتهن، ومن لا يزال مصمماً على اعتماد هذا المعيار في التصنيف لا نملك حياله إلا أن نذكره بأن البكارة، من الناحية الوظيفية، ليست أكثر أهمية من الزائدة الدودية أو أرحاء العقل، فلماذا لا يجعل من هذه الأعضاء معايير أيضاً؟!
 

 

حصري جريدة أخبار الطب(منشور في العدد التاسع)

د. أيهم أحمد

hakeem@med-syria.com

 

مواضيع لها علاقة:

استطلاع رأي حول غشاء البكارة 

الحقيقة المرّة: هل الطب ناجح؟

 

 

التعليقات

قد يكون الحديث عن الشرف مبالغاً به... فإن كان غشاء البكارة موجوداً عند الحيوانات فهي أيضاً تتمتع بنفس نوع الشرف...
أظن أن الشرف موضوع بعيد عن الجنس... الشرف هو الصدق مثلاً... الشهامة... إغاثة المحتاج...

اعتمادا على قانون الطبيعة نفسه فلا يوجد عضو لا دور له وإلا لأزالته الطبيعة مع مر الأيام
وان يكون دوره جعل الفتاة تتريث في اختيارها لاعتبارها الألم المحدث ...؟ فالفتاة لا تعلم مسبقا ماهية هذا الألم حتى تخشاه وليس ألم العلاقة الجنسية هو ما يمنع الفتاة من ممارستها
لا بد وان للغشاء دور فيزيولوجي ..... لكن لم يكتشفه العلم حتى يومنا هذا

السلام عليكم
أخي الكريم لم فهم من خلال مقالتك عن معنى كلمة الطبيعة ونسب كل أمر إلى الطبيعة وإذا كان هذا منهجك فأني أعارضك الرأي فمن هي الطبيعة التي لم تفتأ تنسب إليها كل أمر ؟؟؟؟
وأخالفك الرأي بتشبيه الانسان العاقل ذو الرأي والمسؤولية بالحيوان من ناحية وجود غشاء البكارة فالحيوان ليس هو المقياس الذي يليق بنا كبني البشر وإن كان كذلك كما وصفت في مقالتك فلنكن مثل الحيوانات بكل تصرفاتها!!!!!!!!!!!

الأقوال إن لم يقم عليها دليل فهى دعاوى, وأي دليل أستند عليه كاتب المقال بنسب الأمور إلى الطبيعة ونسي أو تناسى أن لها مدبر وخالق الا وهو الله جل جلاله, فلو سلمنا إلى ما كتبه الكاتب, فكيف يتحكم الإنسان في هذه الطبيعة وهي اوجدت هذه الاشياء؟ فهل هذا يخرج من عاقل فضلا عن مقال حكيم - زعموا!!!

الصفحات