الحقيقة المرّة: هل الطب ناجح؟

تصنيف أولي: 

كلمة حكيم

أيها الطبيب... هل أنت فخورٌ بكونك طبيباً؟! وأنت أيها المريض... هل لا زلت تعتقد أن الطبيب هو المخلص المنتظر؟! لقد ترددت كثيراً في الحقيقة قبل أن أشرع بكتابة ما ستقرؤون في السطور التالية، لكوني طبيباً من جهة، ولأنني أكتب لدوريةٍ طبيةٍ من جهة ثانية، وكلا الأمرين يحتم علي أن أكون وفياً لمهنتي ولساحة التعبير عن أفكاري حتى لو تطلب ذلك مني الابتعاد عن الموضوعية والأمانة، لكنني حزمت أمري أخيراً وقررت المضي قدماً آملاً أن لا تكون هذه آخر كلماتي. 

لا شك في أن اختصاص الطب البشري يتربع على قمة الاختصاصات العلمية منذ زمنٍ ليس بالقصير، وهو لا يزال المطمح الأول لكل طالبٍ متفوقٍ، والابن المدلل لجميع الجامعات والمؤسسات العلمية؛ ويتجلى ذلك في بلادنا بالارتفاع المتواصل لمعدل الدرجات المطلوبة له في التعليم الحكومي ولرسومه في التعليم الخاص، أما في بلاد غيرنا فيبدو ذلك واضحاً من خلال التضخم الهائل في حجم الإنفاق المخصص له ولكل ما يتعلق به من اختصاصات ( كالأدوية والبحث العلمي ).
ولا شك أيضاً في أن الإنسان الذي يعاني من مرضٍ ما لايزال يشعر بالحاجة الماسة لمن يمد له يد العون ويعيد له أمله ورغبته بالحياة، لذلك لا غرابة في أن يرى في من هو مؤهلٌ لذلك نظرياً ( أي الطبيب ) شبهاً ما بالمنقذ والمخلص المنتظر.
لكن هل يتطابق هذا الواقع مع مقدماته الفكرية والمنطقية؟ بعبارةٍ أخرى، هل نجح الطب في تحقيق ما هو منتظرٌ منه بعد تاريخٍ طويلٍ من العمل والبحث؟ وما هي نسبة نجاحه تلك؟ ومن جهةٍ أخرى، هل تيقن المريض من أن الطبيب يستحق فعلاً صفة المخلص؟ وما هي درجة ذلك الخلاص؟
في الإجابة عن الشق الأول من السؤال سأقول إن الطب قد حقق درجةً ما من النجاح لكي لا نبخسه حقه، وسأقدر نسبة ذلك النجاح ب 30 %! وهذا ليس رقماً اعتباطياً بالطبع بل هو ناتجٌ من محاولة قمت بها لترجمة العمل الذي قام به الطب حتى اليوم إلى لغةٍ رقمية. فقد قسمت ذلك العمل إلى أربعة مجالاتٍ رئيسية وقدرت نجاحه في كلٍ منها بنسبة مئوية ثم جمعت هذه النسب في نسبةً إجمالية؛ وهذه المجالات هي: اكتشاف المرض، تحديد أسبابه ومسبباته، فهم آلية حدوثه، وأخيراً إيجاد علاجٍ شافٍ له أو وقايةٍ تامةٍ منه. في المجال الأول، أي اكتشاف المرض، يمكن القول إن الطب كان ناجحاً إلى حد بعيد مع أننا لا نستطيع الجزم بأننا أصبحنا نعرف جميع الأمراض التي يمكن أن تصيب الإنسان لأن ذلك رهنٌ بالمستقبل الذي قد يحمل إلينا مزيداً من الأمراض غير المكتشفة، ومع ذلك يمكن أن نقدر نسبة النجاح في هذا المجال ب 90 %. في المجال الثاني، أي تحديد أسباب ومسببات المرض، سوف نصاب بخيبة أملٍ كبيرة لأننا لا نملك معرفةً كاملةً بها لمعظم الأمراض المكتشفة اللهم إلا الأمراض التي تتسبب بها العوامل الممرضة المختلفة والتي تعرف بالأمراض الخمجية أو الإنتانية، لكن هذه الأمراض لا تشكل سوى 10% تقريباً من طيف الأمراض البشرية، لذلك سنقدر نسبة النجاح هنا ب 10%. أما في المجال الثالث، فهمُ آلية حدوث المرض، فهو الآخر يسبب الإحباط لأننا لانزال نتخبط في فهم آلية حدوث معظم الأمراض وليس أسهل من أن تشير إليها معظم الكتب الطبية بأنها غير معروفة (The etiology is unknown)، أي أن نسبة النجاح هنا لن تتجاوز 10% بكل تأكيد. وفيما يخص المجال الأخير، العلاج الشافي أو الوقاية التامة، فحدث ولا حرج، إذ ليس هناك علاجٌ شافٍ أو وقايةٌ تامةٌ ( أركز على كلمتي شافٍ وتامة هنا ) إلا في الأمراض الخمجية بفضل المضادات الحيوية واللقاحات، ليس لجميع العوامل الممرضة بالطبع، لذلك نقدر نسبة النجاح هنا أيضاً ب 10%. والآن بإجراء عملية حسابية بسيطة سنجد أن نسبة النجاح الإجمالية هي 120/400 أي 30%.
أما للإجابة عن الشق الثاني من السؤال فسأكتفي بإعادة ترجمة هذه النسبة إلى واقع ملموسٍ وسأترك تقييم درجة الخلاص للمرضى أنفسهم. تعني نسبة 30 % أن أقل من ثلث المرضى سيجدون لدى الطبيب علاجاً شافياً أو وقايةً تامةً، وسيكون ذلك غالباً في نوعٍ واحدٍ فقط من الأمراض وهي الأمراض الإنتانية؛ من جهةٍ أخرى، تعني هذه النسبة أن المريض سيحصل من الطبيب على ثلث العلاج المطلوب أو الوقاية المرجوة، وهذا العلاج ليس شافياً بالطبع بل هو ملطف، والوقاية ليست تامة بل جزئية.
لا بد في الختام من أن أنوه بأن هذا العجز ليس بسبب الطبيب بل بسبب الطب، فلا تشعر أيها الطبيب بالخجل ولا أنت أيها المريض بالحقد!

 

مواضيع لها علاقة:

استفتاء رأي: ما رأيك بنجاح الطب؟

التعليقات

لقد كذبوا علينا عندما قالوا أن العلم قادر على علاج كل الأمراض، ألا يعني هذا أن كل الأطباء محتالون؟
وماذا إذا يتعلمون في الجامعات ولماذا يعالجون المرضى

والله ما بعرف كل طبيب اول ما ببتدي مافي منه لكن بعدين بصير تاجر وينسى مهنته الانسانية ثم يتحول الى جزار بكل معنى الكلمة واطباؤنا الذين يوثق بهم ببلاد اوروبا واميركا فبحب المتل الشعبي اللي بقول الله لا يعلقنا بين ايدين لا حاكم ولا حكيم

الطب الحقيقي يكمن في الطب النفسي والاجتماعي.. جميع انواع الامراض العضوية و للاعضوية المستعصية وغير المستعصية سببها الرئيسي نفسي فلن احقد على الحكيم في الطب البشري بل اتمنى ان اجد المزيد من الحكماء النفسيين " اللي فعلا بعبوا الراس وقادرين على المداواة بالكلمة الحسنة والتقاول" وليس بلم المصاري والحكي الفاضي

الصفحات